رغم الدعم العربي والدولي.. «خطة إعمار غزة» تواجه محاولات إسرائيلية لعرقلتها

رغم الدعم العربي والدولي.. «خطة إعمار غزة» تواجه محاولات إسرائيلية لعرقلتها
آثار العدوان الإسرائيلي على غزة

تنتظر خطة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجير الفلسطينيين، مناقشات القمة العربية الطارئة المقررة اليوم الثلاثاء في القاهرة، وذلك في إطار مواجهة التداعيات الخطيرة التي تهدد القضية الفلسطينية. وترافق هذه الخطوة دعم أوروبي ودولي، في مقابل تحركات إسرائيلية تهدف إلى عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار وتعليق دخول المساعدات الإنسانية، وسط رفض عربي لهذه العراقيل.

وأكد خبراء ومحللون سياسيون، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الخطة المصرية تحمل فرص نجاح كبيرة وفقاً للتسريبات الإعلامية، إلا أنها تواجه تحديات، أبرزها تأمين التمويل وتحديد الجهة المنفذة، كما تتعرض لمحاولات عرقلة إسرائيلية، من بينها سياسة "تجويع" سكان القطاع بعد الدمار الهائل الذي لحق به.

وتسببت الحرب الإسرائيلية التي استمرت 16 شهراً في تدمير نحو 250 ألف وحدة سكنية، كما تعرض أكثر من 90% من الطرق و80% من المرافق الصحية لأضرار جسيمة أو دمار كلي، وقدّرت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بنحو 30 مليار دولار، إلى جانب خسائر تُقدّر بـ16 مليار دولار في قطاع الإسكان.

ووفقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، فإن إعادة إعمار غزة تتطلب أكثر من 53 مليار دولار، منها أكثر من 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى فقط.

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر المتوسط، دوبرافكا سويتشا، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، يوم الأحد، أن "إقرار القمة هذه الخطة يُعد خطوة أساسية قبل عرضها على أي طرف أجنبي"، مشيراً إلى أن الخطة ستحظى بدعم وتمويل دولي لضمان نجاحها، كما أوضح أن القاهرة ستجري محادثات مكثفة مع الدول المانحة الرئيسية فور اعتماد الخطة.

مراحل إعادة الإعمار

وبحسب ما كشفت عنه وسائل إعلام عربية، تتضمن الخطة المصرية إعادة إعمار غزة خلال فترة تمتد من 3 إلى 5 سنوات، بشرط توفر دعم مالي كبير، وتتمثل الخطة في ثلاث مراحل رئيسية، هي إزالة الأنقاض وإعادة تدويرها، حيث يتم استخدام الأنقاض في صناعة الخرسانة أو في تجهيز أرضيات المشاريع الجديدة.

أما المرحلة الثانية فتتمثل في تطوير البنية التحتية، ويشمل ذلك مد شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، وإنشاء محطات تحلية المياه وخطوط الاتصالات، فيما تتمثل المرحلة الثالثة في التخطيط العمراني وإعادة البناء، وتتضمن هذه المرحلة تصميم المخطط العمراني للقطاع، ثم بناء الوحدات السكنية، إلى جانب توفير الخدمات التعليمية والصحية والثقافية.

وتسعى مصر من خلال هذه الخطة، إلى وضع أسس تنموية مستدامة في غزة، رغم التحديات السياسية والأمنية التي تعرقل جهود إعادة الإعمار.

ومن المقرر أن تنطلق عملية الإعمار من رفح جنوب القطاع وصولاً إلى شماله، بمشاركة فاعلة من الدول العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وتشمل الخطة تقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق إنسانية رئيسية، يضم كل منها مخيماً كبيراً مجهزاً لاستقبال السكان، مع توفير مقومات الحياة الأساسية مثل المياه والكهرباء، كما سيتم إدخال آلاف المنازل المتنقلة والخيام إلى المناطق الآمنة كمساكن مؤقتة لمدة تصل إلى 6 أشهر.

وتتضمن الخطة نقل المدنيين إلى مناطق آمنة داخل القطاع خلال الأشهر الستة الأولى، وإنشاء وحدات سكنية آمنة خلال عام ونصف العام، مع ضمان إعادة الإعمار بأيدي سكان غزة ودون تهجير، وإعادة تدفق البضائع والوقود إلى غزة كما كانت عليه الحال قبل الحرب، وإشراك نحو 24 شركة دولية متخصصة في مجالات البناء والتخطيط العمراني، وتأمين التمويل اللازم لتنفيذ الخطة بكفاءة.

ورغم أهمية الخطة، أفادت مصادر فلسطينية بأن المقترح المصري لم يعالج بشكل واضح بعض القضايا الشائكة، من بينها مستقبل أعضاء حركة حماس والفصائل المسلحة داخل القطاع خلال مراحل التنفيذ، إضافة إلى مصير الأجهزة الحكومية التي أنشأتها الحركة، والتي ترفض إسرائيل أي وجود لها في المرحلة المقبلة. 

وتفرض تل أبيب قيوداً صارمة على إدخال العديد من المواد الأساسية إلى القطاع، مثل الآليات الثقيلة والمنازل المتنقلة (الكرفانات)، ما يمثل تحدياً إضافياً أمام إعادة الإعمار.

رفض وإدانات

ولم تعلن إسرائيل موقفًا رسميًا من الخطة المصرية، لكنها استبقت انعقاد القمة العربية الطارئة، الثلاثاء، بإصدار قرارات تهدف إلى فرض مزيد من القيود على قطاع غزة، فقد أعلنت تعليق دخول المساعدات ومنع إدخال السلع والإمدادات إلى القطاع عقب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، كما امتنعت عن الانضمام إلى مفاوضات المرحلة الثانية المتعلقة بقطاع غزة.

وخلال اجتماعها الأسبوعي يوم الأحد، بحثت الحكومة الإسرائيلية تمديد المرسوم الذي يسمح باستدعاء قوات الاحتياط، مع زيادة العدد المسموح به إلى 400 ألف جندي احتياطي، وبررت الحكومة هذا القرار بقولها: "كما كان عام 2024 عامًا للحرب، فإن عام 2025 يتوقع أن يكون كذلك، الجبهات المختلفة، حتى تلك التي تشهد حاليًا وقفًا لإطلاق النار، تتسم بعدم الاستقرار، ولذلك، ونظرًا لاستمرار الحرب والحاجة إلى تعزيز القوى البشرية في الجيش نوصي بتمديد المرسوم لمدة ثلاثة أشهر إضافية".

وأدانت مصر والسعودية وقطر والكويت والأردن، في بيانات منفصلة لوزارات خارجيتها يوم الأحد، قرار إسرائيل تعليق المساعدات، معتبرين أن سياسة "التجويع" التي تنتهجها تل أبيب بحق سكان غزة غير مقبولة.

في خطوة أثارت رفضًا عربيًا واسعًا، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 25 يناير الماضي، إلى تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، ثم كرر طرحه في 27 و30 و31 يناير، وفي 4 فبراير، صعّد موقفه بالإعلان، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، عن "نية الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة وامتلاكه"، ملوّحًا بإمكانية إرسال قوات أمريكية إلى القطاع.

وعقب الطرح الأول لسيناريو التهجير، سارعت وزارات الخارجية في مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والعراق إلى إصدار بيانات رافضة للمقترح الأمريكي.

وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في بيان رسمي أن "الموقف العربي لا يساوم في موضوع تهجير الفلسطينيين من أرضهم، سواء في غزة أو الضفة الغربية"، مشددًا على أن "الاصطفاف العربي خلف موقف مصر والأردن واضح ولا لبس فيه".

من جهتها، أدانت منظمة التعاون الإسلامي أي مخططات ترمي إلى تهجير الفلسطينيين، معتبرة ذلك "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة".

العقاب الجماعي

يرى سفير فلسطين السابق بركات الفرا، أن الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة ستمضي قدمًا رغم محاولات إسرائيل المتكررة لإفشالها، موضحا أن تل أبيب تستخدم سياسات العقاب الجماعي عبر منع دخول المساعدات، وستسعى إلى فرض عراقيل جديدة لإحباط تنفيذ الخطة.

وتوقع الفرا، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تحظى الخطة بدعم عربي خلال القمة العربية، إلى جانب تأييد دولي لمواجهة خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيرًا إلى أن نجاح المبادرة المصرية سيعزز الاستقرار الإقليمي ويضع تصورات قابلة للتطبيق. 

وأكد أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها مضطرة لقبولها للحفاظ على مصالحها في المنطقة.

وشدد على أن إسرائيل لن تتوانى عن ارتكاب المزيد من الانتهاكات تحت أي ذريعة، ما يستدعي ضرورة الضغط عليها عبر موقف عربي موحد يدعم الخطة المصرية ويعمل على فرض تنفيذها.

من سيدير قطاع غزة؟

ومن جانبه، أشار الدكتور مختار غباشي، أمين عام مركز الفارابي للدراسات السياسية، إلى أن "الخطة المصرية تعد خطوة رائعة، لكنها تصطدم بعقبتين رئيسيتين: من سيدير قطاع غزة؟ ومن سيمول تنفيذها؟".

وأوضح غباشي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الخطة، وفق المعطيات الحالية، ستنفذ خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، إلا أن مسألتي الإدارة والتمويل لا تزالان غير محسومتين، ما يتطلب مزيدًا من البحث والتوافق قبل بدء التنفيذ الفعلي.

وأضاف غباشي أن "إسرائيل تصر على إقصاء حركة حماس والمقاومة من المشهد، وفي الوقت ذاته ترفض وجود السلطة الفلسطينية، كما تحاول الزج بمصر كطرف إداري، وهو ما رفضته القاهرة بشكل قاطع".

وتابع: "العالم العربي يدعو دائمًا إلى التفاوض، لكن القضايا الشائكة تبقى مؤجلة، وعندما تفتح ملفات حساسة مثل إدارة غزة، تتحول إلى عقبات رئيسية"، مشيرًا إلى أن "التاريخ يعكس نمطًا متكررًا؛ حيث شهدت مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية على مدى 17 عامًا توقيع اتفاقيات عدة، لكن إسرائيل لم تتردد في التراجع عنها خلال بضعة أشهر".

وعاد غباشي للتأكيد أن "الخطة المصرية متكاملة من حيث الإعمار، لكنها تفتقر إلى رؤية سياسية واضحة بشأن إدارة غزة"، مضيفًا أن "إسرائيل ستواصل وضع العراقيل، لأنها تعلم جيدًا أنها لن تحاسَب على انتهاكاتها، ولهذا فإن تحديد الجهة التي ستدير القطاع يجب أن يكون أولوية، لضمان نجاح الخطة بالكامل".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية